تُعَدُّ شَجَرَةُ التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ أَمَامَ مَنْزِلِ الْمَرْحُومِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ زَرْكَشِيٍّ رَمْزًا مِنْ رُمُوزِ الْحَنِينِ إِلَى الْمَاضِي لَدَى طُلَّابِ مَعْهَدِ دَارِ السَّلَامِ كُونْتُورَ الْحَدِي بُونُورُوجُو. تَقَعُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ شَرْقَ مَكْتَبِ الْإِدَارَةِ وَعَلَى بُعْدِ نَحْوَ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ مِتْرًا شَرْقَ مَسْجِدِ جَامِعِ كُونْتُورَ. وَقَدْ كَانَتْ شَاهِدًا صَامِتًا عَلَى الْمَسِيرَةِ الطَّوِيلَةِ فِي التَّرْبِيَةِ وَالْجِهَادِ الَّتِي خَاضَهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ زَرْكَشِي فِي بِنَاءِ مَعْهَدِ كُونْتُورَ الْحَدِيثِ.
تَقِفُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ فِي سَاحَةِ مَنْزِلٍ وَاسِعَةٍ، تُحِيطُ بِهَا أَشْجَارٌ أُخْرَى مِثْلَ شَجَرَةِ السَّبُوتَا وَالْمَانْجُو، مِمَّا يُضْفِي جَوًّا طَبِيعِيًّا وَقَدِيمًا. وَكَثِيرًا مَا كَانَ الْحُرَّاسُ يَجْلِسُونَ تَحْتَهَا لِمُرَاقَبَةِ الطُّلَّابِ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ. كَمَا أَنَّ الْأُسَاتِذَةَ الْمُشْرِفِينَ عَلَى التَّرْبِيَةِ أَوِ التَّدْرِيسِ كَانُوا يُرَافِقُونَ الطُّلَّابَ فِي دُخُولِ الصُّفُوفِ أَوِ الذَّهَابِ إِلَى الْمَسْجِدِ.
تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الطُّلَّابِ يَدْرُسُونَ وَيَقْرَؤُونَ الْكُتُبَ الْكَبِيرَةَ، كَمَا كَانُوا يَتَحَاوَرُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْإِنْجِلِيزِيَّةِ فِي حِوَارَاتٍ يَوْمِيَّةٍ، إِذْ إِنَّ هَاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ فُرِضَ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي التَّخَاطُبِ الْيَوْمِيِّ.
وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ، يُوجَدُ بَيْتُ اللُّورَاه عَلَى شَكْلِ “جُغْلُو” بِعِمَارَةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ، فِيهِ غُرْفَةُ اسْتِقْبَالٍ خَارِجِيَّةٌ وَاسِعَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ ذَاتُ أَعْمِدَةٍ بَارِزَةٍ. وَفِي الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ، يُوجَدُ مَسْجِدٌ صَغِيرٌ بَنَاهُ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ جَمَالُ الدِّينِ حَوَالَيْ سَنَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِيلَادِيًّا.
وَبِالنِّسْبَةِ لِلطُّلَّابِ، فَإِنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ نَبَاتٍ، بَلْ هِيَ رَمْزٌ لِلْأُلْفَةِ وَالْأُخُوَّةِ. فَفِي ظِلِّهَا، يَتَبَادَلُ الطُّلَّابُ الْقَصَصَ وَالتَّجَارِبَ وَالْمَعَارِفَ. لَقَدْ أَصْبَحَتْ شَجَرَةُ التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ حَيَاتِهِمُ الْيَوْمِيَّةِ، حَيْثُ يَتَعَلَّمُونَ وَيَتَحَاوَرُونَ وَيُقِيمُونَ صَدَاقَاتٍ.
كَمَا أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ تُجَسِّدُ رَمْزَ الْقُوَّةِ وَالصُّمُودِ، تَمَامًا كَمَا فَعَلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ زَرْكَشِي مَعَ زَمِيلَيْهِ مِنَ “التِّرِيمُورْتِي” (الشَّيْخُ أَحْمَدُ سَهْلٌ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ فَنَّانِي) فِي جِهَادِهِمْ لِبِنَاءِ مَعْهَدِ كُونْتُورَ الْحَدِيثِ. وَبِفَضْلِ رُؤْيَتِهِمُ التَّعْلِيمِيَّةِ الْحَدِيثَةِ وَمَنْهَجِهِمُ الْمُتَوَازِنِ بَيْنَ الْعُلُومِ الْعَامَّةِ وَالدِّينِيَّةِ، أَصْبَحَ الْمَعْهَدُ مِنْ أَبْرَزِ مُؤَسَّسَاتِ التَّعْلِيمِ الْإِسْلَامِيِّ فِي إِنْدُونِيسْيَا.
وَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، يَسْتَحْضِرُ الطُّلَّابُ الْقِيَمَ التَّرْبَوِيَّةَ وَرُوحَ الْجِهَادِ الَّتِي تَرَكَهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ زَرْكَشِي، لِتَكُونَ تِذْكَارًا بِأَهَمِّيَّةِ الْحِفَاظِ عَلَى التَّقَالِيدِ وَالْقِيَمِ النَّبِيلَةِ فِي التَّعْلِيمِ، وَدَافِعًا لِمُوَاصَلَةِ التَّقَدُّمِ وَالنُّهُوضِ فِي مُوَاجَهَةِ تَحَدِّيَاتِ الْعَصْرِ.
Tinggalkan Balasan Batalkan balasan